-قيادات أمنية في الرئاسة قامت بواجبها وسعت للاستقرار.. لكن مسؤولا أمره الشاذلي بمرافقتي كان يعمل على إشعال النار -الجيش لم يتورط في عمليات التعذيب.. والانتهاكات كانت تقع في ولاية تيبازة -معطيات سبقت
5 أكتوبر كشفت وجود مؤامرة.. وهناك من اتهمني بمحاولة الانقلاب على الشاذلي -الشاذلي صارحني برغبته في خلق حزب مواز للأفلان.. -الجيش يدفع ثمن أخطاء السياسيين ولهذا أطالب بعدم إقحامه في السياسة مرة أخرى
كشف وزير الدفاع الأسبق، اللواء المتقاعد خالد نزار، عن شهادات مثيرة حول أحداث 5 أكتوبر 1988، وأفصح فيها لأول مرة عن الأطراف التي حرّكت الشعب للخروج والتظاهر والتخريب، كما تطرق إلى وضعية البلاد التي سبقت هذا التاريخ، وتحديدا إلى خطاب الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، الذي دعا من خلاله الشعب إلى مساندته، إلى جانب حديثه عما يرى أنه كان وراء الوقوف ضد إعادة الأمن والاستقرار في الشارع الجزائري .اللواء نزار، تطرق كذلك إلى الحديث الذي جرى بينه وبين الجنرال العربي بلخير عقب تعيين الأول في منصب قائد أركان بالعاصمة، فضلا عن الاتهامات الموجهة إليه بمحاولة الانقلاب على الرئيس الشاذلي بن جديد، وعن التغييرات التي أحدثها الرئيس بوتفليقة مؤخرا في المؤسسة العسكرية. وقد عاد اللواء المتقاعد خالد نزار في حوار لـ«النهار»، إلى الظروف التي تم فيها التحضير لتفجير أحداث 5 أكتوبر 1988، والتي كشف فيها تفاصيل لأول مرة تظهر تورط بعض الأطراف – حسبه - من السلطة في الوقوف وراء زعزعة الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي وتعذيب الجزائريين، وهي الأطراف التي قال عنها إنها نفسها التي عملت على تجميد التحقيقات في أحداث أكتوبر. وفي هذا الإطار، قال اللواء نزار «إن الأوضاع التي كانت تعرفها الجزائر قبل 5 أكتوبر كانت كلها تنبئ بانفجار الشارع من خلال الأزمات السياسية التي كانت غامضة، والأزمات الاقتصادية التي تسبب فيها بعض المقربين من الرئيس الشاذلي بن جديد، ومشاكل اجتماعية كان يعيشها المواطن الجزائري، حيث ساهمت هذه العوامل كلها ـ حسب نزار ـ في إحداث غضب داخلي لدى الشارع الجزائري الذي كان - حسبه - مهيئا للانفجار.وقال نزار، إن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الراحل الشاذلي في سبتمبر 1988 الذي طالب فيه من الشعب أن يتحرك، كان بسبب شعور الرئيس بضغوطات داخل السلطة جعلته يستعين بالشعب من أجل تطبيق إصلاحاته، والتي كان يهدف من خلالها إلى خلق حزب جديد يكون بجانب حزب جبهة التحرير الوطني، حيث قال اللواء المتقاعد، إن الشاذلي تحدث إلى قياديي الجيش المنتمين إلى اللجنة المركزية للأفلان، ليُعلمهم بأنه سيعمل على تأسيس حزب جديد في الساحة السياسية. وهنا قال نزار، إن «الرئيس الشاذلي تحدث إلينا بعد انعقاد مؤتمر الأفلان وكنت إلى جانب قياديين عسكريين ينتمون إلى اللجنة المركزية، حيث قال لنا إنه سيعمل على تأسيس حزب جديد مواز للحزب الواحد، يكون تحت لواء السلطة وكنا موافقين على ذلك، لكن حين أحس الرئيس بضغط كبير من طرف جماعة داخل السلطة تعمل ضد تطبيق إصلاحاته، طالب من خلاله الشعب بمساندته لكن دائرته حولت هذه الرسالة إلى الشارع بطريقة لم تتحكم فيها بعد ذلك .كما أدلى نزار ببعض الحقائق التي قال إنها جرت في 4 أكتوبر 1988، حيث قامت مجموعات من الأمن باعتقالات عشوائية ضد جماعة «الباكس»، التي أعلنت عدم مشاركتها في الإضراب العام، الذي دعت إليه مجموعة من النقابات، وهو الإضراب الذي قال نزار إنه تم الترويج له بطريقة تكشف عن وجود أجهزة محترفة وراء نشر الخبر، إضافة إلى السيارات التي قال إنها كانت تحمل لوحات ترقيم حمراء، ما يعني أنها كانت تابعة لمؤسسات «حكومية» وكان بها أشخاص يطلقون أعيرة نارية في السماء من أجل تهويل المواطنين وإحداث حالة من عدم الاستقرار، مشيرا إلى أن الساعة التي خرج فيها المواطنون في مسيرات هي العاشرة صباحا في كل نواحي الجمهورية، كاشفا أن التقارير التي تم رفعها إليه في تلك الفترة، تحدثت عن وجود جماعات متكونة من أربعة أشخاص كانت تجوب العاصمة وتقتحم مؤسسات وشركات ومحلات «الدولة»، في مهمة واحدة هي التخريب والإنسحاب لجر المواطنين إلى هذه المواقع، ليضبف اللواء المتقاعد بالقول، إن هذه العوامل التي سبقت 5 أكتوبر، كشفت عن وجود جهاز منظم دبر لتفجير الوضع آنذاك.
مسؤول أمني أمره الشاذلي بمرافقتي كان يعمل على إشعال النار
كما كشف نزار أنه في يوم 5 أكتوبر، استدعاه الرئيس الشاذلي بن جديد إلى مكتبه، طالبا منه تولي زمام استرداد الأمن في العاصمة، مشترطا عليه تعيين أحد القيادات في جهاز الاستعلامات بجانبه، لمساعدته على المهمة، لكن عندما كنت خارجا من المكتب ـ يقول نزار ـ توجه إليه الجنرال العربي بلخير، ليخبره بأنه كان وراء تعيينه، حيث أنه عمل المستحيل حتى أقنع الرئيس بتعيينه. وكان من ضمن ما قاله نزار، في هذا السياق، «إنه بعد خروجي من مكتب الشاذلي، تحدث معي الجنرال العربي بلخير وأخبرني بأنه أقنع بصعوبة الرئيس الشاذلي بتعييني، وأن هناك جدلا كبيرا وقع حول شخصي»، مشيرا إلى أنه وفي ظرف يوم واحد استدعي بمرسوم رئاسي 10 آلاف جندي، في إطار تطبيق حالة الحصار، وأن تلك القوات كانت متواجدة على الحدود بعد قرار الرئيس الشاذلي بإخراج الجيش من العاصمة، مؤكدا أن الرجل الأمني الذي عيّنه الشاذلي بجانبه كان يعمل من أجل إشعال النار، وعدم استقرار الوضع الأمني، بدليل أنه خرج معه في إحدى الليالي لمراقبة الجنود، وتفاجأ بوجود عسكري يرفض الامتثال لأوامره، ليكتشف بعدها أن المرافق الأمني طلب من عناصر الجيش عصيان أوامر نزار وعدم الامتثال لها، مشيرا إلى أنه في تلك اللحظة أدرك سبب وجود خلاف سابق حول تعيينه.
هكذا اشتعلت الأمور في الشارع
وكشف نزار عن القصة التي جعلته يدرك جيدا أن أطرافا في السلطة «سياسيين وأمنيين»، أوهموا الرئيس الشاذلي بمحاولتي الانقلاب عليه، قائلا: «تنقلت في أحد الأيام إلى أحد القياديين في الجيش، بعدما اتصل بي الرئيس الشاذلي طالبا مني زيارته والتفاهم معه إثر رفضه بعض الأوامر، ورفعه تقريرا حولي إلى الرئاسة، فطلبت منه تفسيرا عن سبب خلافه معي فقال بصراحة»، وقيل لي أنك تعمل على انقلاب ضد الرئيس الشاذلي بن جديد، وأنك من حزب فرنسا، إلى أن أوضحت له الأمور جيدا، فأدركت أن هناك من حاول تلطيخي باسم فرنسا .كما تطرق اللواء خالد نزار في شهادته حول أحداث أكتوبر 88، إلى الحراك الشعبي الذي حصل ما بين 5 و10 أكتوبر، حيث قال إن إطلاق النار على المتظاهرين لم يكن عشوائيا وأن التعذيب الذي حصل لم يكن وراءه الجيش، وأن علي بن حاج كان يقود مسيرة 10 أكتوبر وبجانبه عدد من المسلحين قائلا: «فيما يخص ما حدث في الشارع في أكتوبر، فأنا لن أتهرب من مسؤولياتي التي تمليها علي القوانين، حيث وبمجرد دخول الجنود إلى العاصمة، وجدنا فراغا قانونيا ينظم عملية الحصار، ما جعلنا نلجأ إلى القانون الفرنسي 1972 والذي يتضمن عددا من النصوص التي بموجبها انطلقنا في تنظيم الجيش داخل العاصمة، ومن بين هذه القوانين المادة التي تظهر الكيفية التي يتعامل بها الجنود في حالة إطلاق أعيرة نارية، والتي يجب أن تكون موجهة نحو الأرجل، وهو ما أمر به الجنود، إذ وفي 10 أكتوبر بعد الخطاب الذي ألقاه المرحوم الشيخ أحمد سحنون، والذي طالب من خلاله المتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم، حيث اتصل بي الجنرال عياظ وأقنعني به بعد رفضي لهذا التجمع بسبب قانون الحصار الأمني، تنقلت جماعة كان يتقدمها علي بن حاج إلى حي باب الوادي عبر مسيرة كبيرة، وبمجرد وصولهم أمام المديرية العامة للأمن الوطني، بدأ بعض الجنود بإطلاق الرصاص في الأرض لتفريق المتظاهرين الذين كانوا متوجهين نحوهم، ما جعلهم يفرون للجهة الأخرى للبناية أين كان يتواجد عسكريون ورجال شرطة ودرك وبدأ إطلاق الرصاص، ما خلّف الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم»، مؤكدا أن لديه صورا موثقة تكشف وجود علي بن حاج في تلك المسيرة.
عمليــات التعذيــب كانــت تقـــع في ولاية تيبازة
وحول التعذيب الذي تم في حق الجزائريين، قال اللواء خالد نزار إنه لم يعلم بهذا الشأن إلا أياما بعد الحادثة، حيث قام أحد زملائه الأطباء بإخباره بأن هناك تحقيقات تقوم بها منظمات وحقوقيون وصحافيون حول عملية التعذيب، ما جعله يتحرك للبحث عمن كان وراء هذه العملية، ليكتشف أن نفس الأطراف التي وقفت في وجه إعادة الأمن والاستقرار إلى العاصمة، كانت وراء تعذيب الجزائريين في ولاية تيبازة، مشيرا إلى أن الجيش بريء تماما من عمليات التعذيب هذه، مؤكدا أن الأطراف التي قامت بالتحضير لأحداث أكتوبر 88، هي نفسها التي كانت وراء تعديب الجزائريين وهي نفسها التي جمدت التحقيقات. وفي هذا الشأن، قال نزار إنه يستغرب قيام الجهات التي وعدت آنداك عبر برقية في وكالة الأنباء الجزائرية، بإجراء تحقيقات لتجميدها لهذه العملية، قائلا: «لماذا لم تجر التحقيقات حول أحداث أكتوبر والتعذيب لحد الآن، ومن وراء عملية التجميد هذه، ولماذا الخوف من كشف الستار؟»، ليشير نزار إلى أن الجيش كان دائما يدفع ثمن قرارات السياسيين وهذا ما حدث في أكتوبر 1988، وعليه يجب إخراج الجيش من الساحة السياسية وإعادته إلى المهام الموكلة إليه، المتمثلة في حماية الحدود وحماية الدولة الجزائرية، مشيرا إلى أنه كان يتواجد في الرئاسة آنذاك مسؤولوناذا في الأمن، عملوا على استقرار الوضع والأمن، إلا أن هناك أشخاصا عملوا على العكس بينهم الرجل الذي عينه الرئيس الشاذلي بن جديد بجانبه.
مستعد لتحمل مسؤولياتي بشأن أحداث أكتوبر.. وأنا عسكري طبقت ما يمليه علي واجبي
وفي سؤال حول ما إذا كان قد ندم على القرارات التي اتخذها في السابق، خاصة وأنها خلفت قتلى كثر سقطوا في تلك الفترة، رفض اللواء خالد نزار الحديث عن الندم قائلا: «لماذا أندم، أنا كنت أقوم بواجباتي وما يمليه علي ضميري المهني»، مضيفا: «أنا لا أتهرب من مسؤولياتي فأنا رجل عسكري وقمت بواجبي»، مؤكدا أنه لا ينفي وجود أخطاء حصلت على مستوى الشارع من قبل الجيش، لكن الأمر جاء بعد انفلات السيطرة. وفي سياق آخر، وحول التغييرات التي أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجيش، قال اللواء خالد نزار: «إن هذه التغييرات من صلاحيات الرئيس بوتفليقة، وأن هذا الأخير ذكي جدا، ما مكنه من مواصلة مسار التغييرات التي كان يجب أن تحدث مند زمن»، مضيفا في معرض تعليقه على قرارات الرئيس، أنه من غير الممكن لأي كان أن يجمع بين منصبي قيادة الأركان كعمل عسكري ووزارة الدفاع كعمل سياسي.